Seifwedeif

Seifwedeif
Vision to close the gap between two different generations at life by putting their concerns and needs and making a useful discussion to continue communication between them

مشاركة مميزة

مصر...اللى ممكن متعرفهاش- محميات مصر- الجزء الأول

محمية ابو جالوم محمية طبيعية في "1992" وتتميز هذه المنطقة بطبوغرافية خاصة ونظام بيئي متكامل تنفرد بنظام كهفي تحت الماء و...

السبت، 15 أكتوبر 2016

ملخص كتاب اليهود العرب- يهودا شنهاف شهرباني-2016

عرض/محمود الفطافطة

يعالج كتاب "اليهود العرب.. قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والإثنية" قضية لم تأخذ حقها من البحث والنقاش، وهي وضع اليهود العرب ضمن السياق الأعم للشرق الأوسط من خلال توظيف إطار ما بعد كولونيالي، وهذا ما دفع ببعض النقاد لوصف هذا الكتاب بأنه "طليعي" فيما يختص بدراسة جوهر كينونة اليهود الذين يسمون وفق القاموس الصهيوني بـ (الشرقيين)، ويعتبرهم الكاتب يهودا عربا.

ويكشف الكتاب -عبر المراسلات والوثائق- أن الصهاينة العلمانيين سعوا لتعزيز البعد الديني بين اليهود العرب من أجل "تطهيرهم" من عروبتهم، ما أسس لنتائج عكسية في فترة الدولة، إذ أدت المحاولات الرامية إلى بناء هوية إسرائيلية لليهود العرب من خلال قمع هويتهم العربية، إلى التمسك أكثر فأكثر بهذه الهوية، وإلى تحديد مسألة التمييز الطائفي في إسرائيل التي تحيل بدورها إلى بذور التناقض في الصهيونية فكرا وممارسة.

ويعتبر الكتاب على درجة كبيرة من الأهمية؛ لما يمثله من خوض في السيرة الذاتية لليهود العرب وجوانب حاولت الحركة الصهيونية طمسها فيما يتصل بالشق العروبي لليهود. وقدم شهرباني نقاشا لمفهوم اليهود العرب، وما يعتريه من التباسات، وما يحمله من تناقضات، واضعا إياه في سياقه التاريخي ابتداء من الحقبة العثمانية، مرورا بأحداث البراق والخليل ويافا أواخر العشرينيات، وصولا إلى ما بعد قيام إسرائيل.
-العنوان: اليهود العرب.. قراءة ما بعد كولونيالية في القومية والديانة والإثنية
-المؤلف: يهودا شنهاف شهرباني
-الناشر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار" - رام الله
-عدد الصفحات: 372
-الطبعة: الأولى، 2016
يتكون الكتاب من تقديم، ومقدمة، وخمسة فصول، وخاتمة. يتناول التقديم الذي كتبه الباحث في مركز "مدار" أنطوان شلحت قراءة تحليلية ونقدية للنص، إذ يشير إلى أن المؤلف لجأ إلى الفكر ما بعد الحداثي لكي يقوض الرواية التأريخية الصهيونية الرسمية من خلال قصة اليهود العرب، ولكي يرفض "الحقيقة" التاريخية المزعومة المتمثلة بـ"الأمة اليهودية". ويؤكد أن الكتاب يشتمل على مضامين نقدية للمشروع الصهيوني مهمة، وتعبر عن تيار يستحق التشجيع الأمر الذي لا يعني عدم وجود انتقادات وتساؤلات حول مضامين أطروحات هذا التيار.

التاريخ يبدأ من البيت!
جاءت المقدمة بعنوان: "التاريخ يبدأ من البيت"، وفيها يتناول المؤلف اللقاء المعقد الذي ساده الصراع وعمه التضارب والتناقض بين اليهود الذين ينحدرون في أصولهم من الدول العربية والقومية الصهيونية والدولة اليهودية. ويشدد على ضرورة وضع السياق الكولونيالي المكبوت في صلب هذا النقاش. وعلى الرغم من الاختلافات القائمة بين التجارب الكولونيالية التي خاضها اليهود في العراق واليهود في شمال أفريقيا فإن السياق الكولونيالي هو الموضع الذي يجب أن يبدأ منه أي نقاش يتناول اليهود العرب. 

وحسبما تراه النظرية ما بعد الكولونيالية، فما تزال بقايا المنطق الكولونيالي بشأن اليهود العرب متأصلا في الثقافة والسياسية الإسرائيلية حتى هذا اليوم.

ويشير الكتاب إلى أن اليهود العرب عجزوا عن صياغة تعريف ذاتي متسق لهويتهم القومية، إذ لا ينظر إلى هذه الهوية على أنها ذات طابع إثني بسبب الانقسام الداخلي الذي وسم الخطاب الذي كانوا يعملون في نطاقه. 

يستعرض المؤلف في الفصل الأول قضية" اكتشاف اليهود العرب"، إذ يبين أن اليهود العرب وصلوا إلى إسرائيل بموجب مبادرة أطلقتها دولة إسرائيل والمنظمات اليهودية، وكان بعضهم يعيش في راحة وأمان في الأراضي العربية، وكان آخرون منهم يعانون من الخوف والاضطهاد. ويوضح أن تاريخ اليهود العرب وهجرتهم إلى إسرائيل يتسم بالتعقيد، ولا يمكن استيعابه في تفسير سطحي ضحل.

النظرية والنزعة
ويركز المؤلف في هذا الإطار على فكر وممارسة المنظمة العالمية لليهود من البلاد العربية التي نشأت في العام 1975. ويرى أن إنجاز المنظمة الأبرز يتمثل في أنها صاغت ثلاث نظريات سياسية كبيرة من حيث كونها عظيمة الأهمية بالنسبة لإسرائيل وأيديولوجيتها الصهيونية، أولها النظرية التي ادعت بأقدمية الكيان اليهودي، قومية ودينا، في الشرق الأوسط، فيما أكدت النظرية الثانية أن تبادلا سكانيا بين لاجئين عرب ولاجئين يهود في الشرق الأوسط قد حدث فعلا، ويمكن الاستفادة منه في أي وقت. وبخصوص النظرية الثالثة، فأقرت بأنه في إثر تبادل السكان المذكور يمكن تبني الادعاء، في الوقت الراهن، بشأن الموازنة (أو التعويض) في الأملاك بين اللاجئين العرب واليهود.
"يعتبر هذا الكتاب على درجة كبيرة من الأهمية؛ لما يمثله من خوض في السيرة الذاتية لليهود العرب وجوانب حاولت الحركة الصهيونية طمسها فيما يتصل بالشق العروبي لليهود. وقدم مؤلفه نقاشا لمفهوم اليهود العرب، وما يعتريه من التباسات، وما يحمله من تناقضات، واضعا إياه في سياقه التاريخي "
وفي الفصل الثاني الموسوم بعنوان: "الكولونيالية، والنزعة المركزية الأوروبية والاستشراق اليهودي"، أشير إلى أن المنظور ما بعد الكولونيالي -الذي كانت غالبية الباحثين الإسرائيليين تنكره حتى وقت متأخر- يملك القدرة على تقديم إطار مفيد لدراسة العلاقات القائمة بين اليهود الأوروبيين وغير الأوربيين باعتبارها علاقات "معرقنة" و"مشرقنة". وفي هذا الشأن، يستعرض شهرباني نظرية أقدمية الكيان اليهودي التي تجعل اليهود العرب مختلفين مع الأيديولوجيا الصهيونية في ثلاثة مواضيع أساسية، هي: النظرة إلى الاقليم، والموقف من التاريخ، ومن الهوية.

وتحت سؤال: كيف أصبح اليهود العرب متدينين وصهيونيين؟ جاء عنوان الفصل الثالث، إذ يذكر الكاتب أن اللقاء بين الصهيونية واليهود العرب تميز منذ بدايته بتداخل المنطقين القومي والكولونيالي فيه. ومن أجل شمل اليهود العرب في "المشروع القومي" كان على هؤلاء المرور في مسار لإلغاء عروبتهم، أو حسب تسمية المؤلف كان عليهم التعرض لعملية "تطهير اليهودي العربي من عروبته". 

ورغم أن هذا الإلغاء أو التطهير جرى تبريره، من طرف الصهاينة أنفسهم، بأحاديث عن العصرنة والتقدم فإن الذي هدد القومية الصهيونية لم يكن "تخلف" أو "تقاليد" اليهود العرب، وإنما عروبتهم المشدد عليها من قبلهم هم أنفسهم. فالماضي العربي ليهود الشرق هدد بأن يمس وحدة صف "الأمة الإسرائيلية" المتجانسة ظاهريا. وفي هذا الشأن، ردد أول رئيس وزراء لإسرائيل دافيد بن غوريون المقولة التالية: " نحن لا نريد بأن يكون الإسرائيليون عربا. يتوجب علينا أن نكافح روح المشرق الذي يخرب أفرادا وجماعات".

التناقض والذاكرة
يركز الكاتب في الفصل الرابع من الكتاب (القواسم المشتركة بين اليهود العرب والفلسطينيين) على قضية تبادل السكان، إذ يوضح أنه في الوقت الذي أعدت فيه إسرائيل نظرية واضحة لتبادل الممتلكات التي تعود لليهود من البلاد العربية واللاجئين الفلسطينيين، كان موقفها المتصل بتبني نظرية تبادل السكان ملفوفا بالغموض. ومن المؤكد أن المسألة السكانية بما فيها "الحاجة" إلى تحقيق الأغلبية اليهودية في إسرائيل، كانت تحتل رأس سلم الأولويات في الدولة قيد البناء.

الفصل الخامس جاء بعنوان "اليهود العرب والذاكرة التاريخية الصهيونية"، وفيه يشير المؤلف إلى أن الخطاب العام والخطاب الأكاديمي ينظران إلى" الشرخ الإثني" باعتباره ظاهرة يهودية داخلية لا علاقة لها بالصراع القومي الدائر بين اليهود والفلسطينيين، إذ ينظر إلى الأمة اليهودية على أنها أمة موحدة تميزها وحدة متراصة.
"كيف أصبح اليهود العرب متدينين وصهيونيين؟ يذكر الكاتب أن اللقاء بين الصهيونية واليهود العرب تميز منذ بدايته بتداخل المنطقين القومي والكولونيالي فيه. ومن أجل شمل اليهود العرب في "المشروع القومي" كان على هؤلاء المرور في مسار لإلغاء عروبتهم، أو التعرض لعملية "تطهير اليهودي العربي من عروبته""
وفي هذا الفصل ركز المؤلف حديثه عن النظريات السياسية الثلاث التي صاغتها المنظمة العالمية لليهود من البلاد العربية -أشير إليها سالفا- إذ يذكر أن هذه النظريات أخذت مفعولا مضاعفا في أعقاب اتفاق السلام مع مصر وبدء النقاش حول اللاجئين الفلسطينيين. فعلى أساسها، أنه في مقدرة دولة إسرائيل أن تدعي -من جهة- الحقوق الشرعية لليهود في أرض إسرائيل (أقدمية الكيان اليهودي) وأن ترفض -من جهة أخرى- المطلب الفلسطيني بحق العودة (تبادل السكان تم حقا)، وكذلك أن ترفض -من جهة ثالثة- المطلب بالتعويض عن الأملاك الفلسطينية التي صادرها القيم العام لدولة إسرائيل (موازنة الأملاك). 

وعلى هذا الأساس، فإن عضو المنظمة جاك برانس، وازى من حيث الأهمية بين تأسيس منظمته وبين نشاط منظمة التحرير الفلسطينية، بقوله: "نحن الجواب الوحيد (في إسرائيل) على حق العودة.. من أجل ذلك نحن موجودون".

صراع الاستيعاب
وفي خاتمة الكتاب التي استعاض عنها المؤلف بعنوان "ما بعد الصهيونية"، جاء أن الدراسات التي تتناول المجتمع الإسرائيلي تطرقت إلى استيعاب اليهود العرب في إسرائيل ولقائهم مع الدولة وتعبئتهم وحشدهم من خلال السياسة، وأشكال احتجاجاتهم وحراكهم أو جمودهم ومكانهم ضمن منظومة التقسيم الطبقي والأنظمة السياسية الإسرائيلية. 

ويتعرض المؤلف بشكل نقدي للنظرية المعرفية الصهيونية التي رأت أن حياة اليهود العرب في الدول العربية تعتبر شاذة وغير سوية، وأن هجرتهم إلى إسرائيل كما لو كانت هي الحل المحتوم لهذا الشذوذ. 
ويوضح أن اليهود العرب يملكون وضعا حديا وهجينا ومتحولا في إطار النظريات المعرفية القومية والكولونيالية التي تخيلت الصهيونية نفسها ضمنها. فمن جانب، كان ينظر إلى هؤلاء اليهود في الخطاب الصهيوني بوصفهم عنصرا أصيلا من المجتمع القومي، وبوصفهم تعبيرا عن أسسه البدائية "الأولانية". 

وبهذا، فإن الكتاب يعبر عن تيار ثوري في نقد الصهيونية، ويقدم قراءة مختلفة لتجربة اليهود العرب وموقعهم من المشروع الصهيوني وعلاقتهم معه، وإن كان هذا التيار صغيرا بالمعنى السياسي، فهو مهم بالمعنى الثقافي والمعرفي.
المصدر : الجزيرة

ملخص كتاب تاريخ العلاقات الخارجية لجمهورية الصين الشعبية- جون جارفر- 2016

عرض/محمد ثابت


يستكشف هذا الكتاب العلاقات الخارجية لجمهورية الصين الشعبية منذ عام 1949 وحتى عام 2014، حيث يمثل ثمرة لأكثر من عشر سنوات من الدراسة والكتابة والتحليل بشكل موسوعي. ينقسم الكتاب إلى ثلاثة أجزاء تضم 28 فصلا، تستعرض تاريخ وتطور السياسات الصينية التي أثرت على علاقاتها بالعالم الخارجي.

تحول اقتصادي لا سياسي
في البداية يؤكد المؤلف أن الصين اعتمدت في 1949 النموذج السياسي والاقتصادي للاتحاد السوفياتي، والمختل بشدة، وظلت لثلاثين عاما تحاول إنجاح هذا النموذج مما أثر على علاقاتها الخارجية منذ ذلك الحين. وبحلول عام 1978 تخلى القادة الصينيون طواعية عن ذلك النموذج، وخلال العقود الثلاثة التالية نجحت الصين في التحول من الاقتصاد المخطط مركزيا إلى اقتصاد السوق المعولم، ورفع مئات الملايين من الشعب الصيني من الفقر إلى الطبقة الوسطى المزدهرة، وتحولت الصين إلى واحدة من الاقتصاديات الرائدة على مستوى العالم.

وبالرغم من تحرر الناس؛ فإن التحول الاقتصادي وما واكبه من رخاء لم يحول القادة الصينيين عن الشيوعية. يقول المؤلف عن المظالم اليومية التي كانت جزءا لا يتجزء من سعي ماوتسي تونج نحو المدينة الفاضلة: لا يزال الشق السياسي للصين شموليا ولا يزال الحزب الشيوعي مسيطرا ولا يتسامح بالكامل مع أي نشاط سياسي مستقل؛ ودائما ما يعلم الناشطون الصينيون أن لصبر الحزب حدودا لا يجب تخطيها.
-العنوان: تاريخ العلاقات الخارجية لجمهورية الصين الشعبية
-
المؤلف: جون جارفر 
-الناشر: مطابع جامعة أكسفورد
-عدد الصفحات : 888 صفحة
تاريخ النشر: 2016
صياغة الدولة الثورية
في الجزء الأول يناقش المؤلف كيف صيغت الدولة الثورية؛ من الالتحاق بالمعسكر الاشتراكي وقرار التحالف مع الاتحاد السوفياتي ضد الولايات المتحدة؛ القرار الذي أدى في الحقيقة إلى نشر صراع الحرب الباردة إلى شرق آسيا كما أثر بشكل دراماتيكي على علاقات الصين الخارجية وموقف العالم منها.

كانت هناك الحرب في كوريا والهند الصينية، والتي بدأت باجتياح كوريا الشمالية لكوريا الجنوبية في يونيو/حزيران 1950 وحتى التوصل لوقف لإطلاق النار في يوليو/تموز 1953 الذي وقعت عليه الصين والولايات المتحدة والكوريتان. أسفرت الحرب عن تحول الحزب الشيوعي الصيني إلى العدو الأول لأميركا، وإلى هدف لسياسات الاحتواء والتدخل عسكريا في الحروب حول الصين وحصارها سياسيا واقتصاديا.

يموت ستالين وتنقسم القيادة السوفياتية، في تزامن مع وصول أيزنهاور للبيت الأبيض وتهديده باستخدام السلاح النووي ضد الشيوعيين إذا لم يتعقّلوا. ثم يأتي عصر مؤتمر "باندونغ" والسعي إلى تخفيف التوتر العالمي، بالرغم من بقاء الحروب والتطويق. في الأيام الأولى لنظام "ماو" كان الهاجس الأكبر له ولقادة الحزب وقتها هو نجاة الصين من مواجهة التهديد الأميركي. ثم توصلوا لاحقا إلى أن النموذج السوفياتي بعد موت ستالين أصبح يشكل تهديدا لبرنامجهم الثوري فبدأوا في الانفصال عن نظام خروتشوف.

يقع الانشقاق السوفياتي الصيني والتسابق نحو الشيوعية ومكانة القوة العظمى، يبدأ الصراع الهندي الصيني والمواجهة بسبب النزاع على الحدود وإقليم التبت، ويفشل التحالف الصيني السوفياتي بعد رفض الأخير دعم الصين ضد الهند، وإلغائه اتفاقية التعاون النووي الموقعة 1957 بين الصين والسوفيات، ويتم إحياء الزخم الثوري 1962-1965، ثم يبدأ السعي الصيني الثوري لتحويل جنوب شرق آسيا للشيوعية، حيث كان الحزب الشيوعي الصيني خلال حكم ماو يدعم ويشجع الحركات الشيوعية عبر المنطقة.

ثم تدخل الصين تاليا في مواجهة الولايات المتحدة الأميركية في فيتنام والحرب بالوكالة، وكانت تلك الحرب من العوامل المؤثرة بشدة في علاقات الصين بالولايات المتحدة وحلفائها طوال فترة الحرب، ثم الثورة الثقافية 1966-1969. 

يموت ماوتسي دونغ في 9 سبتمبر/أيلول 1976 تاركا الصين في موقف عصيب، فلم تسفر الثورة الثقافية والعمالية إلا عن جعل البلاد أكثر فقرا وضعفا وأشد عزلة عما كانت عليه في الستينات.. لقد أغلقت الكثير من المدارس، كما أن جيلا كاملا من الشباب لم يستطع الحصول على أي تعليم.

الانفتاح على العالم
يتناول الجزء الثاني من الكتاب فترة تنظيم الحكومة 1978 - 1989، ويستعرض الانفتاح على العالم الخارجي بعد انتهاج القيادة الصينية الجديدة منهج البراغماتية، وتأكيد السعي نحو التنمية الاقتصادية والإعلان عن قرارات وخطوات سياسية كبيرة، وبعد الحرب الصينية الفيتنامية التي اندلعت بعد أن تدهورت العلاقات بين البلدين من منتصف سبعينيات القرن العشرين عقب انضمام فيتنام "للمجلس السوفياتي للتعاون الاقتصادي المتبادل" (كوميكون)، ووقعت معاهدة الصداقة والتعاون مع الاتحاد السوفياتي في 1978. 
وصنفت الصين فيتنام على أنها كوبا الشرق وأسمت المعاهدة بالتحالف العسكري بين السوفيات وفيتنام، وتصاعد الأمر باجتياح فيتنام لكمبوديا، واعتبرت الصين ذلك من توابع التقارب الفيتنامي السوفياتي، ثم وقعت الحرب القصيرة بين الصين وفيتنام كدرس للأخيرة حتى تعلم أن الدعم والحماية السوفياتية ما هي إلا خدعة.

في ظل تلك التطورات أصبح هناك ما يمكن تسميته بالمثلث الإستراتيجي (الصين، أميركا، السوفيات)، حيث يستعرض المؤلف رؤية السوفيات والأميركيين لدور الصين سلبا أو إيجابا وخوف كل دولة من اصطفافها مع الأخرى، ورؤية القادة الصينيين أنفسهم لدورهم وكيف يمكن استغلال مخاوف القوتين العظميين، ورؤية "دينغ زياوبنغ" لما أسماه بالتحديثات الأربعة، وتيقنه من أن تقدم الصين لن يكون عن طريق السوفيات أو دول أوروبا الشرقية؛ ولكن مع الغرب الذي تقوده أميركا، ثم سعي الصين لتخفيف التوتر والتطبيع مع القوى الآسيوية (الاتحاد السوفياتي والهند وإيران واليابان) فبحسابات المصالح؛ توجد للصين مع كل من هذه الدول مصلحة ترجوها ولكن الهدف الملح الآن هو تخفيف التوتر الذي سيسهل انتقال الموارد الاقتصادية من الصين وإليها.

تطويق الدولة اللينينية
في الجزء الثالث تبدأ نقطة تحول كبيرة -يقول المؤلف- في علاقات الصين مع الدول الرأسمالية المتقدمة؛ فبحلول عام 1989 وقعت أحداث الميدان السماوي وكان من توابع ذلك سقوط القتلى في عدة أحداث هزت الصين والعالم، وفرضت تغييرات حتى داخل الحزب الشيوعي نفسه. وبعد انتهاج الحزب لدبلوماسية السيطرة على الأضرار، تتعمق الأزمة بانهيار الشيوعية في أوروبا الشرقية ويفشل الحزب الشيوعي الصيني في الدفاع عن الاشتراكية في شرق أوروبا.

مرة أخرى تتغير العلاقات الصينية جذريا مع القوى الرأسمالية، ويصبح الهدف هو الحفاظ على استقرار النظام في عالم هُجرت فيه الشيوعية وتخلى عنها مريدوها.

بنهاية الحرب الباردة وظهور حالة الاستقطاب الأحادي الأميركي في ظل نظام دولي أصبح غير متوازن؛ فقدت الصين أهميتها الإستراتيجية للولايات المتحدة بعد غياب الاتحاد السوفياتي وهي الحالة التي نشأت كما يقرر المؤلف منذ 1972.

في عام 1990 دخل عامل جديد في الحسابات الدبلوماسية الصينية وهو توفير الطاقة البترولية، فمع انفتاح الصين على العالم وتغيير سياستها الاقتصادية ازداد احتياجها للبترول بسرعة كبيرة مما جذب اهتمامها للخليج العربي حيث الإنتاج الكبير للبترول، وأيضا حيث الحروب والوجود الأميركي الكبير في تلك المنطقة، ولذا أصبح الخليج العربي ساحة رئيسية للتفاعل بين الصين وأميركا في عصر ما بعد الحرب الباردة.
استعادت الصين سيطرتها على هونغ كونغ في عام 1997 بعد تسعة وتسعين عاما من الحكم البريطاني، وكان ذلك الانتقال الهادئ للسيادة من النجاحات الرئيسية للدبلوماسية الصينية، عندما طرحت سياسة بلد واحد ونظامين اقتصاديين التي طمأنت الجانب البريطاني وقاطني هونغ كونغ وسهلت الانتقال السلس للسلطة.

المواجهة العسكرية مع الولايات المتحدة حول تايوان كانت من الهواجس الحادة لدى الحزب الشيوعي الصيني، فلم تكن الصين ستسمح بهزيمتها أمام أميركا لذلك اتجهت لتطوير إمكاناتها العسكرية لتتماشى مع القدرات الأميركية وإعطاء القوات الصينية القدرة على منع وصول الأميركيين لحين التمكن من فرض السيطرة على تايوان.

لكن في نفس الوقت ثار جدل داخلي في الصين أدى إلى تقلبات في الدبلوماسية الصينية، حول الاستجابة لتهديدات الولايات المتحدة، فالنجاح الذي حققته التنمية الاقتصادية فرض على قيادة الحزب ضرورة الاستمرار في التنمية، وهناك بضائع أميركية لازمة لذلك الاستمرار، ولو وقع صدام مع الولايات المتحدة فستمنع واشنطن مرور تلك البضائع للصين، ويمكن أن تمنع مرور الصين للأسواق الخارجية كما أن الفرص الاستثمارية التي فتحت في العراق والكويت تتحكم بها الولايات المتحدة، ويضاف لذلك تأثير الولايات المتحدة على حلفائها وما يعنيه كل ذلك من ضرورة امتناع الصين عن تبني أي سياسات عدائية ضد واشنطن، وأن تسعى للشراكة والصداقة مع أميركا، وهي السياسة التي ساعدت على بزوغ الصين كقوة اقتصادية عالمية.

تطمين وعدم استثارة جيران الصين وعلى رأسهم الهند واليابان كان أيضا من العوامل المهمة لتنفيذ سعي الصين نحو الارتقاء كقوة عظمى؛ فبالرغم من تاريخ العداء بين البلدين؛ فإن مصالح الصين مع اليابان مشابهة لمصالحها مع الولايات المتحدة، ويضاف لذلك تأثير اليابان في شرق آسيا، وأيضا تطمين الهند التي تتشابه مع اليابان في تاريخ العداء مع الصين لكن سقوط الاتحاد السوفياتي، الداعم الرئيسي للهند ضد الصين، وبقاء الولايات المتحدة كقطب وحيد مثل صدمة للهند وأثار مخاوفها، وعلى الطرف الآخر زادت انتفاضات 1989-1991 من رغبة الصين في إنشاء روابط صداقة مع الهند حتى لا تسبب لها مشاكل هي في غنى عنها.

في الفصل الأخير من الكتاب يناقش المؤلف السعي الصيني للحداثة وإشكاليات النماذج التي يُسوقها التاريخ للدول التي ازدادت قوتها، وتصاعدت مكانتها عالميا ثم تحولت لتهديد للعالم بأجمعه كما حدث في ألمانيا من قبل، وكيف يرى العالمُ الصينَ ماردا محتجزا في إناء سحري، لو خرج منه فلن يعيده إليه أحد، ولن يسيطر عليه أحد.

المصدر : الجزيرة

ملخص كتاب - من يحكم العالم- نعوم تشوميسكى- 2016

عرض/مرح البقاعي

نادرون هم من لا يعرفون نعوم تشومسكي، العالم اللغوي والمؤرخ والناشط السياسي المعروف بـ"أبو علم اللسانيات الحديث". ولمن يريد معرفة المزيد عن تشومسكي، فإنه المفكّر الأميركي المولود في العام 1928 في مدينة فيلادلفيا من ولاية بنسلفانيا.

يشغل منذ خمسين عاما مقعد أستاذ علم اللغويات في قسم اللسانيات والفلسفة في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا العريق، وإلى جانب عمل تشومسكي في مجال اللسانيات فقد كتب عن الحروب والسياسة ودور وسائل الإعلام المعاصرة، وهو مؤلف لأكثر من مائة كتاب تنوعت بين علوم اللغة والفقه السياسي والفلسفة التحليلية.

تحول تشومسكي إلى ناقد بارز في السياسة إثر الحرب الفيتنامية، وذاع صيته منذ ذلك الوقت من خلال نقده للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأميركية، وكذا لرأسمالية الدولة وإدارة دفّة وسائل الإعلام الإخبارية. ومن المفيد أن نذكر أن تشومسكي صُنف عالميا بالمرتبة الثامنة لأكثر المراجع التي يتم الاستشهاد بأقواله بها على الإطلاق في قائمة تضم كتاب الإنجيل وكتاب رأس المال لكارل ماركس.
-العنوان: من يسوس العالم؟
-المؤلف: نعوم تشومسكي
-عدد الصفحات: 320 صفحة
-اسم الناشر: ميتروبوليتان بوكز
-تاريخ النشر: مايو/أيار 2016
في مسألة إدارة دفة العالم
يقدّم نعوم تشومسكي في هذا الكتاب الجديد رؤيته لأسباب تراجع الولايات المتحدة الأميركية عن موقعها الريادي في السياسات الدولية، ويرفق أسئلته الوجودية في الفلسفة السياسية بشرح واف عن طبيعة السياسات الأميركية ما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول للعام ، 2001، ويفنّد المنعطف الخطير الذي اتخذته لجهة تقديمها المآرب السياسية على الفعل الديمقراطي وحقوق الإنسان والعدالة العامة.

وفي تحليل دقيق وثاقب يمضي تشومسكي في توضيح الوضع الراهن، ويتحدث بإسهاب العالم المستنير عن الغلو الذي انتهجته السياسات الأميركية ما بعد أحداث سبتمبر/أيلول، والتركيز المبالغ فيه على العسكرة وصورة الجيش القوي الذي لا يهزم والذي سيقف باستمرار سندا لامتداد إمبراطوريتها إلى العالم.

ويقيّم بالتالي حجم المخاطر الكارثية التي وقع فيها الساسة الأميركيون جراء ذلك النهج السياسي الذي أدّى إلى تشتيت قيم المشتركات وثوابتها بين الشعوب. ويسوق تشومسكي البراهين على رؤيته التشاؤمية للحال المتردي للسياسات الأميركية من خلال إدراجه لبعض الأمثلة عن الأدوات التي لجأت إليها واشنطن في العقود الأخيرة من القرن الماضي، والعقد الأول من الألفية الثالثة، من أجل تحقيق أهداف سياساتها الخارجية الهوجاء والمتهورة، ابتداء بخطط القتل الممنهج بواسطة الطائرات بدون طيار (درونز)، مرورا برفع عصا الحرب النووية في وجه العالم واستعمالها في الترهيب عندما تفشل في ترغيب العالم بمنطقها في الإدارة والتوجيه، وصولا إلى بؤر التوتر العظيمة المشتعلة في العراق وأفغانستان وسوريا وفلسطين التي عجزت أو تباطأت الولايات المتحدة في إطفاء نيرانها التي تكاد تحرق العالم برمته.
"يشير تشومسكي إلى التحولات المقلقة في أسلوب العيش والإدارة في أميركا تتمثل في حالة العزلة التي تعيشها النخب الأميركية، وكذا ابتعادها عن المحددات الديمقراطية التي من المفترض أن تحكم سلطتها، هذا في حين يركن رجل الشارع العادي الأميركي إلى حالة من اللامبالاة "
ويقوم تشومسكي من خلال هذا الجرد التحليلي والفلسفي لتلك الأحداث بتقييم دور السلطة الإمبريالية وهيمنة الرأس مال العالمي ضمن دائرة الفوضى العالمية المتفاقمة في أرجاء الأرض في غياب منظومة سياسية عادلة ورادعة للظلم والطغيان.

السلطة المالية العابرة للقارات
ويشير تشومسكي في معرض كتابه "من يحكم العالم" إلى قضية هي في العمق من تلك التحولات المقلقة في أسلوب العيش والإدارة في أميركا تتمثل في حالة العزلة التي تعيشها النخب الأميركية، وكذا ابتعادها عن المحددات الديمقراطية التي من المفترض أن تحكم سلطتها، هذا في حين يركن رجل الشارع العادي الأميركي إلى حالة من اللامبالاة على ما يدور حوله وعلى أرضه، وفي العالم أيضا، الذي يتحوّل بسرعة لافتة إلى النزعة الاستهلاكية البغيضة في غياب القيم المحلية العليا للكثير من الدول، استهلاك يطال كل صنوف الحياة وصورها الاجتماعية والأخلاقية والاقتصادية والسياسية. 

ويفيد تشومسكي أنه في ظل هذه الأجواء يصبح الأفق مفتوحا للأغنياء والأقوياء من أصحاب المؤسسات والشركات العابرة للقارات بأن يزدادوا غنى وقوة على حساب ضعف وفقر الضعفاء. ومن نافلة القول أن هذه المؤسسات الكبرى تتمتع بسلطة غير محدودة في بلد المنشأ من جهة، وفي دول انتشارها من جهة أخرى. 

ويشير تشومسكي في كتابه القيّم هذا في معرض التأكيد على نظريته حول الغبن الدولي الذي يدور تحت مظلة "اتفاقية التجارة الحرة" على أنها من الاتفاقيات العابرة للمحيط التي يقوم على كتابة قوانينها وتنفيذ مشاريعها نخبة من المحامين ورجال الأعمال الذين يشكلون لوبي مالي لا يقبل النقاش في مشاريعها، ومراميها البعيدة المدى، أوعن تأثيرها السلبي على شعوب العالم الثالث الفقيرة والتي تقع تحت خط التنمية البشرية.

السؤال الصعب
"في ظل تراجع أميركا يصبح الأفق مفتوحا للأغنياء والأقوياء من أصحاب المؤسسات والشركات العابرة للقارات بأن يزدادوا غنى وقوة على حساب ضعف وفقر الضعفاء. وتتمتع هذه المؤسسات الكبرى بسلطة غير محدودة في بلد المنشأ ودول الانتشار"
يكاد السؤال الذي يطرحه تشومسكي في هذا الكتاب الذي تصدّر واجهة المكتبات الأميركية، وكذا مراجعات الكتب الأكثر مبيعا في الصحف الأميركية الكبرى ومراكز بحوثها، يكاد يكون من أخطر وأدق الأسئلة المعاصرة التي تواجه المثقف المستقل في العالم، والذي يحمل فكرا ليبراليا مثل تشومسكسي يعجز عن استيعاب هذا الكم من الغبن الذي يحكم الدول الضعيفة في العالم مقابل سلطة مجموعة محدودة من أصحاب القرار التي تتحكم بالقرارات المالية والسياسية في العالم.

يقول تشومسكي في هذا الصدد: "إنّ عقولنا، في محاولتها للإجابة على هذا السؤال، تقع في أسر الاعتقاد المسبق بأن المؤثر الوحيد في هذا المضمار وفي ساحته الدولية هي الدول العظمى، وأن أعظم العوامل التي تحكم المشهد السياسي العالمي الراهن هي القرارات التي تتخذها تلك الدول والعلاقات التي تبنيها من خلال إدارتها لذاك المشهد".

ويضيف تشومسكي متحدثا عن هؤلاء الأقوياء، ومقاربا المشهد السياسي الدولي الراهن وتأثير الأقوياء فيه بمن سماهم الفيلسوف آدم سميثبـ "أسياد البشرية" في كتابه "ثروة الأمم" فيقول: "ربما يكون المشهد الدولي الحالي مختلفا في الشكل عما كان عليه في حياة سميث، لكن جشع تجار إنجلترا في ذلك الزمن يشبه إلى حد كبير مطامع الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات في عصرنا هذا، ويكاد يكون الشعار المشترك في العصرين واحدا: كل شيء لنا ولا شيء لغيرنا!

كتب محرر مجلة نيويوركر العريقة في هذا الشأن قائلا: "لو انتهجت أميركا نهج بريطانيا منذ 100 عام لكان ما كتبه تشومسكي عن معضلة تغول اقتصادات الحدود المفتوحة صالحا لمائة سنة أخرى من هذا التاريخ".
ناعوم تشوميسكى وكتابه من يحكم العالم-2016

المصدر : الجزيرة


ملخص كتاب عقيدة الصدمة للكاتبة الكندية ناعومى كلاين - صدر عام 2009

عرض/ ثائر دوري

يمكن اعتبار هذا الكتاب الموسوعي الضخم أهم ما صدر عن السياسات الاقتصادية والاجتماعية المطبقة في العالم منذ ثلاثين عاما، وخاصة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي.
-الكتاب: عقيدة الصدمة ( صعود رأسمالية الكوارث) 
-المؤلف:  نعومي كلاين
-عدد الصفحات:750
-ترجمة: نادين خوري
-الناشر: شركة المطبوعات للنشر والتوزيع, بيروت
-الطبعة: الأولى/2009
تسمي الكاتبة هذه السياسات بسياسة "المعالجة بالصدمة". وتشرح ما جرى في البلدان التي تعرضت للعلاج بعقيدة الصدمة، كما تُشرح تأثير سياسات صبيان مدرسة شيكاغو على الدول التي طبقتها، سياسياً واجتماعياً، من إندونيسيا سوهارتو إلى تشيلي والأرجنتين والبرازيل ثم روسيا وشرق آسيا وصولاً إلى العراق.
ويقوم مذهب رأسمالية الكوارث على استغلال كارثة، سواء كانت انقلاباً ، أم هجوماً إرهابيا، أم انهياراً للسوق، أم حرباً، أم تسونامي، أم إعصارا، من أجل تمرير سياسات اقتصادية واجتماعية يرفضها السكان في الحالة الطبيعية.
فالكارثة تضع جميع السكان في حال من الصدمة الجماعية، وتخدم القنابل المتساقطة والعنف المتفجر والرياح العاتية، كلها، لتطويع مجمل المجتمعات.
في عام 1982 كتب ميلتون فريدمان زعيم صبيان شيكاغو: "وحدها الأزمة –الواقعة أو المنظورة- هي التي تحدث تغييراً فعلياً".
في نشأة عقيدة الصدمةنشأت عقيدة الصدمة في الخمسينيات من القرن العشرين في مجال الطب النفسي فقد تعاونت وكالة الاستخبارات الأميركية مع الطبيب النفسي الكندي البارز أيوين كاميرون ومولت أبحاثه عن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين بهدف تحويل أدمغتهم إلى صفحة بيضاء لإعادة كتابة المعلومات الملائمة عليها.
في أوائل الخمسينيات رفض كاميرون النظرية الفرويدية المنادية باستخدام "المعالجة بالكلام" فهو لم يكن يطمح إلى معالجة المرضى بل إلى إعادة خلقهم من جديد باستخدام أسلوب سماه "القيادة النفسية"، وما تهدف إليه طريقته هو إعادة دماغ المريض صفحة بيضاء عن طريق مهاجمته بالصدمة الكهربائية لمحو كل السلوكيات القديمة.
تسبب الصدمات الكهربائية فقداناً للذاكرة ونكوصاً سلوكياً، فبعض المرضى يمصون أصابعهم عند انتهاء الجلسة، وبعضهم يشعر بالفراغ المطلق. كتبت إحدى من تعرضن للصدمة "بت الآن أعرف ما كان شعور حواء حقاً عندما خلقت من ضلع آدم بدون أي ماض. أنا أشعر بالفراغ الذي شعرت به حواء".
"نشأت عقيدة الصدمة في الخمسينيات من القرن العشرين في مجال الطب النفسي فقد تعاونت وكالة الاستخبارات الأميركية مع الطبيب النفسي الكندي البارز أيوين كاميرون ومولت أبحاثه عن استخدام الصدمة الكهربائية على أدمغة المرضى النفسيين "
وقد شكل هذا الفراغ النتيجة المطلوبة بالنسبة لكاميرون ففقدان جميع المعلومات المكتسبة هو ما يبحث عنه، لأنه يبحث عن إعادة مرضاه إلى الطفولة. وتشبه الكاتبة مناداة صقور الحرب بقصف البلدان للعودة بها إلى "العصر الحجري".
كان كاميرون يعتقد أن ثمة عاملين مهمين يتيحان لنا الحفاظ على إدراكنا البيانات الحسية التي ترد لنا باستمرار، والذاكرة. لذلك حاول إلغاء الذاكرة بواسطة الصدمات الكهربائية والمهلوسات، وحاول إلغاء البيانات الحسية بواسطة العزل التام. وهنا نصل إلى طبيب الصدم الاقتصادي ميلتون فريدمان.
فريدمان والعلاج بالصدمة الاقتصاديةارتبط اسم فريدمان بقسم العلوم الاقتصادية بجامعة شيكاغو التي لعبت دوراً يتجاوز دورها كجامعة، بل كان هذا القسم مدرسة للفكر المحافظ، ومقراً للمعادين للكينزية، وللتدخل الحكومي، والداعين لحرية مطلقة للأسواق.
بقي فريدمان في عزلة فكرية حتى صعود ريغان وتاتشر في الثمانينيات إلى السلطة في كل من الولايات المتحدة وبريطانيا فبدآ تطبيق برامجه بخلق أسواق حرة خالية من القيود، وبعد ذلك تحولت الصين إلى اقتصاد السوق وانهار الاتحاد السوفياتي فلم يعد يقف شيء في وجه العقيدة الفريدمانية، وبعد وفاته في عام 2006 كُرس كأحد أبطال الحرية بقرار من الكونغرس، كما سمت ولاية كاليفورنيا يوم 29 يناير/كانون الثاني 2007 بيوم فريدمان، لكن الكاتبة تكشف الوجه الآخر لهذه المدرسة فهي قد طبقت سياساتها بواسطة الإرهاب والقتل والدمار من انقلاب سوهارتو وبينوشيه في كل من إندونيسيا وتشيلي وصولاً إلى قصف العراق.
تقول الكاتبة: "ارتكزت مهمة ميلتون فريدمان، كما مهمة كاميرون، على حلم العودة إلى تلك الحالة من الصحة "الطبيعية"، التي كان التوازن مستتباً على نحو كامل بعيداً عن تدخل الإنسان وإنتاجه أنماطا مشوهة، كما حلم كاميرون بإعادة ذهن الإنسان إلى حالته النقية، كذلك حلم فريدمان بتفكيك نمط المجتمع وتحويله إلى حالة من الرأسمالية النقية المطهرة من جميع التشويشات الخارجية".
وتثبت الكاتبة أن تطبيق سياسات فريدمان لم يتم في ظروف ديمقراطية أو طبيعية بل ترافق ذلك مع الانقلابات العسكرية وانتشار التعذيب واستغلال الحروب والكوارث الطبيعية.
تتعدد وجوه الفريدمانية وأسماؤها لكنها تتميز بالثالوث التالي: إلغاء القطاع العام، منح الحرية الكاملة للشركات، الحد الكبير للإنفاق الاجتماعي. "في كل بلد تطبق فيه سياسات مدرسة شيكاغو كان ينشأ تحالف نافذ بين عدد صغير من الشركات الكبرى وطبقة من السياسيين الأكثر ثراءً ".
"جالت رأسمالية الكوارث والعلاج بالصدمة من بوليفيا إلى بولندا ثم إلى روسيا وشرق آسيا بعد كارثة 1997 الاقتصادية, لكن المفصل الحقيقي في تاريخ هذه العقيدة هو العراق ففيه بلغت هذه العقيدة ذروتها ثم بسبب المقاومة بدأت انحدارها السريع"
وتقول الكاتبة إن التعبير الأدق الذي يصف نظاماً يُسقط الحدود بين الحكومات والأعمال الكبرى ليس "الليبرالية" أو "المحافظة" أو "الرأسمالية"، بل"المؤسساتية" ومن الميزات الرئيسية لهذا النظام:
1- التحويلات الضخمة للثروات من القطاع العام إلى يد القطاع الخاص.
2- اتساع الهوة بين أصحاب الثراء الفاحش وضحايا الفقر المدقع.
3- قومية عدائية تبرر الإنفاق اللامتناهي على حفظ الأمن.
جالت رأسمالية الكوارث والعلاج بالصدمة من بوليفيا إلى بولندا ثم إلى روسيا وشرق آسيا بعد كارثة 1997 الاقتصادية التي حولت النمور الآسيوية في أيام إلى نمور من ورق، ثم استغلال كارثة تسونامي لتنظيف الشاطئ من قرى الصيادين وإحلال منتجعات سياحية ضخمة مكانها واعتبار الشاطئ منطقة مغلقة على أهل البلد. لكن المفصل الحقيقي في تاريخ هذه العقيدة هو العراق ففيه بلغت هذه العقيدة ذروتها ثم بسبب المقاومة بدأت انحدارها السريع.
العراق وارتداد عقيدة الصدمةتسمي الكاتبة ما جرى في العراق بـ"فرط الصدم". فالهجوم المكثف على هذا البلد وتدمير بناه التحتية بشكل تام رغبةً في محوه وإعادته صفحة بيضاء أي إلى العصر الحجري. هذا الصدم المفرط ولد نتيجة غير متوقعة بالمرة وهي تعزيز عزيمة الناس وإصرارهم على المقاومة.
ما حدث في العراق كان تبنياً صريحاً لعقيدة الصدمة "الوقت الأفضل للاستثمار هو حين يكون الدم لا يزال على الأرض" هذا ما صرح به للكاتبة أحد المندوبين في المؤتمر الثاني لإعادة إعمار العراق.
فمهندسو الغزو كانوا من أشد المؤمنين بعقيدة الصدمة، وكانوا متأكدين أن البلد سيتم بيعه بالمزاد العلني بينما يكون العراقيون تحت تأثير صدمة القصف. فبعد صدمة القصف جاء دور الصدمة الاقتصادية.
تشرح الكاتبة أن الحرب طريقة من طرق التعذيب الجماعي، فقد رمى الجيش الأميركي أكثر من ثلاثين ألف قنبلة على العراق إضافة إلى عشرين ألف صاروخ كروز أي 67% من عدد الصواريخ المصنوعة. كانت عقيدة الصدم والترهيب عقيدة عسكرية تفاخر بأنها لا تستهدف قوات العدو العسكرية فحسب بل "المجتمع بأسره" كما يشدد واضعوها، "فالخوف الجماعي هو جزء أساسي من الإستراتيجية".
كما أن الحرب كانت تبث بشكل مباشر عبر الـCNN من أجل خلق نموذج توجيهي سلوكي لكل العالم. فالحرب نوع من الاستعراض والتواصل الجماعي. استعراض للقوة العسكرية وإيصال رسائل لكل الفرقاء أن هذا هو مصيركم إن فكرتم بالتمرد.
ولزيادة الخوف تم استخدام تقنية "عرض الأداة " وهي تهديد المعتقل باستخدام أداة التعذيب. فقبل شهرين من الحرب بثت "سي بي إس" تقريراً سمته "النهار هـ" وهو عن اليوم الأول المتوقع للقصف الجوي. وشرح هالن أولمان -أحد واضعي إستراتيجية الصدمة والرعب- "أن أثر الهجمات الجوية المكثفة الشبيه نوعاً ما بأثر القنبلة النووية في هيروشيما، لا يستغرق أياماً أو أسابيع، بل دقائق".
وضخت وسائل الإعلام تقارير مرعبة للعراقين عما سيحدث لهم ولبلدهم وذلك عبر السواتر والاتصالات الهاتفية من الخارج، فأمضوا أشهراً يتخيلون فظائع "الصدمة والترهيب"، وفي استعراض مماثل تم إلقاء الضوء على أم القنابل قبل بدء الحرب.
لقد كان يلوح للعراقيين بتلك الأدوات كما يفعل الجلادون بالمساجين في غرف التعذيب. ثم أُخضع سكان بغداد عند بدء الحرب إلى حرمان حسي، فبدأ قطع المداخل الحسية واحداً وراء الآخر. أولاً السمع فقد قُصفت وزارة الاتصالات وفي 2 أبريل/نيسان لم يبق هاتف يعمل في بغداد.
"تعطل شبكة الهاتف لدى العراقيين كان الجزء الأكثر رعباً في الهجوم الجوي, فعدم إمكانية معرفة هل بقي الأصدقاء والأقرباء على قيد الحياة في ظل سقوط القنابل؟ كان عذاباً حقيقياً"
ويقول العديد من العراقيين إن تعطل شبكة الهاتف لديهم كان الجزء الأكثر رعباً في الهجوم الجوي. فعدم إمكانية معرفة هل بقي الأصدقاء والأقرباء على قيد الحياة في ظل سقوط القنابل؟ كان عذاباً حقيقياً. كما تنقل الكاتبة عن سكان بغداد.
وبعد السمع حان دور العينين ففجأة غرقت بغداد يوم 4 أبريل/نيسان بالظلام التام. وبعد ذلك جاء وقت الراحة في إستراتيجية التعذيب. في هذا الوقت تتم إهانة المعتقل ورموزه الحضارية، وتجلت هذه المرحلة بالنهب ودمار التراث العراقي عبر سرقة المتاحف والمكتبات الوطنية ومخابر الجامعات. وقد شبه ماكغوير غيبسون -وهو عالم آثار من جامعة شيكاغو- هذه العملية بجراحة فص الدماغ.
أما ماكفرسون -المسؤول الأميركي عن إعادة الإعمار، وهو أحد صبيان شيكاغو- فقد وصف النهب بأنه نوع من تقليص القطاع العام. لذلك لم ينزعج منه. وخلاصة الأمر لقد رأى المسؤولون الأميركيون حلم الصفحة البيضاء يتجسد أمامهم في العراق. لكن غير المتوقع حدث وقلب الطاولة. لقد ارتدت عقيدة الصدمة على واضعيها وأدى فرط الصدم إلى تحفيز روح المقاومة.
كما ترافق التعذيب الجماعي للشعب العراقي مع انتشار التعذيب الجسدي الفردي على نطاق واسع فقد بلغ عدد المعتقلين في ثلاث سنوات ونصف الأولى من الاحتلال 650 ألف معتقل استخدمت كل تقنيات الإرهاب والتعذيب الجسدي معهم.
واستعان الاحتلال الأميركي بخبراء في عقيدة الصدمة مثل الضابط الأميركي جايمز ستيل الذي وصل إلى العراق في مايو/أيار 2003 وكان قد خدم كمستشار أميركي لعدد من كتائب الموت السلفادورية.
تقول الكاتبة: "ظهرت صدمة غرفة التعذيب -بحسب هذا التسلسل الزمني- فور بروز صدمة بريمر الاقتصادية الأكثر إثارة للجدل ......".
لكن فرط الصدم هذا لم يجد وارتد على منفذيه فمن العراق انطلقت حركة ارتدادية هائلة تجتاح العالم اليوم ضد رأسمالية الكوارث وعقيدة فريدمان.
تقهقر الصدمة الفصل الأخير تخصصه الكاتبة لما تسميه ارتداد عقيدة الصدمة على مخترعيها فالشعوب بدأت تستيقظ. ترافق نعي ميلتون فريدمان أواخر 2006 بالتفكير بأن رحيله مؤشر إلى نهاية عصر.
وبدأت التساؤلات عن مصير الحركة التي أطلقها، فالمحافظون الجدد تلامذة فريدمان ومطلقو رأسمالية الكوارث خسروا الانتخابات النصفية في الكونغرس، وكان ذلك بسبب فشل مشروع احتلال العراق، وبدأت ملامح ثورة مضادة ضد الفريدمانية واضحة في المخروط الجنوبي أول من طبقت عليه هذه السياسة، فقد فاز إيفوموراليس في انتخابات الرئاسة في بوليفيا ليصبح ثاني رئيس في أميركا اللاتينية يحمل برنامجاً اجتماعياً بعد الرئيس شافيز في فنزويلا.
"بدأ ينحسر مفعول الصدمة وتعطلت عقيدة الصدمة فنهضت الشعوب في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وباقي دول أميركا اللاتينية. وامتدت الثورة المضادة للفريدمانية إلى بولندا وروسيا"
لقد بدأ ينحسر مفعول الصدمة وتعطلت عقيدة الصدمة فنهضت الشعوب في الأرجنتين والبرازيل وتشيلي وباقي دول أميركا اللاتينية. وامتدت الثورة المضادة للفريدمانية إلى بولندا وروسيا.
لقد بدأ يعلو نمط جديد من إعادة الإعمار هو "إعادة إعمار الشعب" ويتجلى في تشغيل العمال لمئات الشركات المفلسة في الأرجنتين، وإنشاء آلاف التعاونيات في بوليفيا، وإعادة إعمار القرى المهدمة على شواطئ آسيا. وصولاً إلى إعادة إعمار الضاحية في بيروت الذي نفذه حزب الله بالتعاون مع المواطنين بعيداً عن اشتراطات رأسماليي الكوارث.
عندما تصبح آلية الصدم معروفة على صعيد الجماعة تفقد الصدمة جزءاً كبيراً من فعاليتها لذلك فهي منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول بدأت تفقد فعاليتها.
ناعومى كلاين مؤلفة كتاب عقيدة الصدمة

المصدر : الجزيرة