﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ{124} وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ .
كثيرٌ من الأخيارِ تفاءلوا بالأمرِ الشّاقِّ العسير ،
ورأوْا في ذلك خيْراً على المنهجٍ الحقِّ : ﴿وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ ﴾ .
فهذا أبو الدرداءِ يقولُ : أُحبُّ ثلاثاً يكرهُها الناسُ : أحبُّ الفَقْرَ والمرَضَ والموْتَ ، لأنَّ الفقرَ مسكنةٌ ، والمرضَ كفَّرةٌ ، والموت لقاءٌ باللهِ عزَّ وجلَّ .
ولكنَّ الآخرَ يكرهُ الفقر ويذُمُّه ، ويُخبرُ أنَّ الكلاب حتى هي تكرهُ الفقير :
إذا رأتْ يوماً فقيراً مُعدماً
|
هرَّتْ عليهِ وكشرَّتْ أنيابها
|
والحُمَّى رحَّب بها بعضُهم فقال :
زارتْ مكفِّرةُ الذنوبِ سريعةً
|
فسألتُها باللهِ أن لا تُقْلِعِي
|
لكنّ المتنبي يقولُ عنها :
بذلتُ لها المطارف والحشايا
|
فعافتْها وباتتْ في عِظامي
|
وقال يوسُفُ عليهِ السلامُ عنِ السجنِ : ﴿ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ ﴾ .
وعليُّ بنُ الجهم يقولُ عنِ الحبْسِ أيضاً :
قالوا حُبِسْت فقلتُ ليس ضائري
|
حبسْي وأيُّ مهنَّدٍ لا يُغْمدُ
|
ولكنّ عليَّ بن محمدٍ الكاتب يقولُ :
قالوا حُبست فقلتُ خطْبٌ نكِدٌ
|
أنْحى عليَّ به الزمانُ المُرْصدُ
|
والموتُ أحبَّه كثيرٌ ورحَّبوا بهِ ،
فمعاذٌ يقولُ :
مرحباً بالموتِ ، حبيبٌ جاء على فاقةٍ ، أفلح منْ ندم .
ويقولُ في ذلك الحُصيُن بنُ الحمامِ :
تأخَّرتُ أستبقي الحياة فلمْ أجِدْ
|
لنفسي حياةً مثْل أن أتقدَّمَا
|
ويقولُ الآخرُ :
لا بأس بالموتِ إذا الموتُ نزلْ .
ولكنَّ الآخرين تذمَّرُوا من الموتِ وسبُّوه وفرُّوا منهُ .
فاليهودُ أحرصُ الناسِ على حياةٍ ، قال سبحانه وتعالى عنهمْ : ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ﴾ .
وقال بعضُهم :
ومالي بعد هذا العيشِ عيشٌ
|
ومالي بعد هذا الرأسِ رأسُ
|
والقتلُ في سبيل اللهِ أمنيةٌ عذْبةٌ عند الأبرارِ الشرفاءِ :
﴿ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ﴾ .
وابنُ رواحة ينشدُ :
لكنَّني أسألُ الرحمنَ مغفرةً
|
وطعنةً ذات فزعٍ تقذِفُ الزَّبدا
|
ويقولُ ابنُ الطِّرِمَّاح :
أيا ربَّ لا تجعلْ وفاتِي إنْ أتتْ
|
على شرْجَعَ يعلو بحُسْنِ المطارِفِ
| |
ولكنْ شهيداً ثاوياً في عصابةٍ
|
يُصابون في فجٍّ مِن الأرض خائفِ
|
غير أنَّ بعضهمْ كرِه القتْلَ وفرَّ منه ، يقولُ جميلُ بثينة :
يقولون جاهِد يا جميلُ بغزوةٍ
|
وأيُّ جهادٍ غيرهُنَّ أُريدُ
|
وقال الأعرابيُّ :
واللهِ إني أكرهُ الموت على فراشي ، فكيف أطلبُه في الثغورِ
﴿ قُلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَنفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ ، ﴿ قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ﴾ .
إنَّ الوقائع واحدةٌ لكنَّ النفوس هي التي تختلفُ .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق